السبت، 23 مايو 2009

رسائل مغتربة ...توفي حفيد الرئيس


فى خلال الساعات الماضية تسارعت الأخبار.. وعكة صحية.. مرض لا شفاء منه.. البقاء لله.. توفى حفيد الرئيس.

لم أتمالك نفسى وأنا أستمع للقرآن على جميع القنوات المصرية إلاَّ أن أذرف دموعى.. دموعٌ على طفل صغير ذهب وترك أماً ستظل تذرف دموعها ما بقيت.

ولكن ما جعل صدرى يضيق ونفسى تتألم هى لهجة الشماتة التى رأيتها فى بعض الأقلام.. وعلى لسان كثير ممن لا يحبون النظام..

قد أختلف مع من يحكمون بلدى.. وقد أكره ما يعم بلدى من فساد وظلم..

ولكنى أتساءل.. هل الموت يترك المظلوم ويأتى فقط للظالم.. وهل الموت يترك المثاليين أو من يتصورون أنفسهم أنهم مثاليون ويأتى لمن هم غير ذلك..

لماذا تذكَّرنا ضحايا العبَّارة عندما توفى حفيد الرئيس.. لماذا تذكَّرنا كل مآسى البلاد وما يقاسيه العباد.

ليس فى الموت شماتة.. فهو حق على الجميع.. فلا أعتقد أبدا أنه انتقام من الله..

وإلاَّ إذا سلمنا بهذا المنطق فأى ذنب اقترفه من راحوا ضحايا العبَّارة.. ومن ذهبوا ضحايا الإهمال أو الظلم أو الفساد.. أى ذنب اقترفه هؤلاء؟

وإذا كنَّا نشتكى من ظلم النظام وانتشار الفساد.. ألم نسأل أنفسنا يوماً.. لماذا انتشر الفساد وعمَّت الفوضى.. إنه من فساد أنفسنا.. وغياب ضمائرنا.

فنحن من نهمل فى عملنا.. نحن من ننشر أخباراً كاذبة.. نحن من نبيع المخدرات لأولادنا.. نحن من نقبل الرشوة بل ونطلبها.. نحن من نحقد على الناجح فينا.. نحن من نشرنا الواسطة والمحسوبية وجعلناها مقياس القبول.. ألم نفعل ذلك بأنفسنا؟

يقول الحق تبارك وتعالى (واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة) فلنصلح أنفسنا أولاً حتى يصلح الله لنا كل شىء.

إننى هنا أتحدث بمنطق الأم التى فقدت زهرة سهرت على رعايتها سنين وكانت تحلم بأن تراها مورقة وتستمتع بعطرها.. أشعر بما تشعر به.. فلقد كابدت سهر ليالى وعذاب أيام لمجرد أن قُطع جزء من إصبع ابنى.. فما بالُنا بمن تفقد هذا الابن.. ووالدة زوجى مازالت حتى اليوم وقد تخطت السبعين من عمرها تبكى ولدها الذى فقدته وهو فى الرابعة من عمره.

أقولها..لا.. لمن يشمتون..لا.. لمن يتصورون أن الموت انتقام الرحمن الرحيم.

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين جميعاً وارزق أهلهم وأمهاتهم الصبر والسلوان.. آمين يارب العالمين.


المقال على جريدة اليوم السابع هنا

السبت، 16 مايو 2009

غير لائق


غير لائق ..كلمات قليله ...ولكنها قد تغير مجرى حياة إنسان ...قد تهوي به من قمة الأمل إلى هاوية الإحباط واليأس ..

هذا ما كان يفكر فيه عندما اخترقت تلك الكلمات عينيه وزلزلت كل كيانه وهو يقف أمام لوحة النتائج ..

نتائج القبول في إمتحانات السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية .

وقف مذهولاً للحظات ..لم يعرف هل كانت لحظات ..أم ساعات ..أم كانت كل عمره شعر بان الأرض تدور به تائهة في دوامة في ذلك الكون الرحيب ..

أفاق على صوت زميل له يسأله هل نجح مثله أم لا ...؟؟

إلتفت إليه ..كان زميله أقل منه في التقدير وفي الكفاءة ..ولكنه يمتلك ما لا يملكه هو ...كان إبناً لأستاذ كبير في الإقتصاد .

نظر إليه نظرة خالية من أي معنى ..وتركه وانصرف ..خرج خارج المبنى ..لم يعرف اين يذهب ..شعر أن الكون كله قد انكمش ولم يعد به مكان ليذهب إليه ..

لقد نشأ في أسرة فقيرة ..كان والده بواباً لإحدى العمائر في أحد الأحياء التي يقطنها الأثرياء ..وأصحاب السلطة ..كان يراهم ..ويتعامل معهم ..ولكنهم كانوا أسياداً وهو خادمهم ..حلم أن يكون مثلهم في يوم من الأيام ..إجتهد ..واصل تعليمه بالرغم من كل الظروف حتى يصل إلى مبتغاه ..

كان شريط حياته البائسة يمر أمامه وكأنه يشاهد فيلماً سنيمائياً ..

صورته وهو يغسل سيارات ساكني العمارة ..

ولياليه الطويلة التي بكى فيها لأن ملابسه كل عيد لم تكن جديدة كباقي الأولاد ..ولكنها كانت مم يجود به عليه ساكني العمارة ..

كان صغيراً على أن يستوعب أن البشر مختلفون في كل شيء حتى في أرزاقهم ..

تنبه على صوت سيارة عالي ..يحذره سائقها وهو يعبر الشارع دون أن يراها ..تراجع للخلف ..وقف مذهولاً ..إلى أين ..لا يعرف ..ولكنه سار في طريقه ..

تداعت أفكاره إليه مرة أخرى ..

صورته وهو يستذكر دروسه في إحدى الحدائق ..تحت ضوء المصابيح ..لأنه لا يجد مكاناً في الغرفة التي يسكن فيها مع والديه وإخوته الذين يتزايد عددهم عاماً بعد عام حتى ضاقت عليهم الغرفة ..

صورته وهو يذهب كل يوم إلى كليته وهو يرتدي نفس القميص والبنطلون وكأنه الزي الرسمي للجامعة ..

عندما كبر واستطاع إستيعاب ما قدره الله له ..قرر أن يغير حاله ..واختار كلية توصله إلى مبتغاه ..أن يكون يوماً من تلك الطبقة التي حلم أن يكون منها ..أن تعامله تلك الطبقة باحترام.

وجد نفسه دون أن يدري على شاطيء النيل أعلى الكوبري الذي كان يمر به يومياً في طريقه إلى الجامعة ..كان يحلم عليه أحلاماً كثيرة ...لا يعرف لها عدداًلقد عرف أنه غير لائق لأن والده بواب العمارة وليس السيد الذي يقطن العمارة .

ماذا سيفعل إذاً ...هل يغير والده ...أم أنه اختار الطريق الخطأ من البداية ...إختار أن يعلو بنفسه في مجتمع لا يعلو فيه إلا من هم فوق الرؤوس ...

توقف قليلاً ...نظر إلى مياه النيل ...وجدها تعزيه في احلامه ..

وفي لحظة كان يقذف بنفسه في أحضانها..

اللوحة للفنان الإيراني مرتضى كاتوزيان



الاثنين، 4 مايو 2009

رسائل مغتربة..فسحة والإسم مسيار


بالأمس وخلال جولتي اليومية في غربتي على القنوات المصرية لأعرف ما يحدث في بلدي ..وأزداد مرارة لما أسمعه من آلام الناس.
سمعت حديثا عن زواج المسيار ،وانقسم المتحدثون مابين محلل ومعارض .
.تذكرت ساعتها ما سمعته هنا من قصص عن استخدام تحليل هذا الزواج بما يناسب الأهواء والأمزجة ،استغلالا لما تمنحه المرأة للرجل من حرية بتنازلها عن حقوقها في وجود المسكن أو النفقة أو المبيت ،فيا له من زواج سهل .
ولن أتعرض لكونه حلال أو حرام فهناك من هم أعلم مني بذلك وقد أعلنها المفتي صراحة أنه حلال ولكني هنا أمام استخدام سيء لهذا الزواج ،
فهذا طبيب ترك زوجته في بلده وعاش هنا وحيدا ثم تزوج زواج المسيار بحجة أنه يحصن نفسه ،له الحق ،ولكنه ترك من تزوجها وأخذ يتزوج بأخريات من جنسيات مختلفة وكله تحت مسمى زواج المسيار فهو لا يتكلف شيئا، ولا يتحمل مسئولية شيء ، وعرفت أنه تزوج أكثر من عشر مرات ،فأين السكن والاستقرار الذي يقوم عليه أساس الزواج.
والأمثلة كثيرة لإستغلال هذا الزواج بطريقة تخلخل أمن واستقرار الأسرة ,وحتى إن كان يحقق لبعض السيدات الأمن والإستقرار ولكنه في المقابل يهدم حياة إمراة أخرى لا ذنب لها سوى أن قلب زوجها تعلق بأخرى أو أخريات واستعمل المسيار ليعيش في مغامراته تحت مسمى حلال.
ولقد قرأت خبر عن سيدة مطلقة أعلنت في أحد مواقع الزواج أن سنها 28 عاما ولديها ثلاث أبناء وترغب في زوج يتزوجها زواج مسيار لأن ظروفها لا تسمح بأن يقيم معها زوج إقامة كاملة ، والمفاجاة أن جاءها 7 آلاف رسالة يرغبون في الزواج منها ومنهم شاب عمره 17 سنة .
فهل الزواج أصبح له أهداف أخرى غير تحقيق الإستقرار ووجود من يسكن الرجل إليها ومن تسكن المرأة إليه .
لا بد لمن يحلل ويحرم أن ينظر أولا لمدى تأثير الفتوى على المجتمع ومدى ما ستسببه من أضرار بجانب الفائدة المرجوة.
المقال نشر بجريدة اليوم السابع هنا