النفس تهفو والحنين يزداد شوقا للقاء الحبيب ..حبيب نتوجه إليه كل عام لنتزود بالزاد ونغتسل من الذنوب فنرجع كما ولدتنا أمهاتنا ..لا ذنب ولا سيئة تذكر ..
لملمت حاجياتي البسيطة ومعها حملت حملاً كبيراً من ذنوبي ..ولساني يلهج بالدعاء أن أرجع دونها .
مع تكبيرات الإحرام كنت أتجرد من آفات الدنيا وأغتسل من ماضٍ كثرت فيه الذنوب ..وأسأل الله أن يغفر ..؟؟؟
على عرفات الجو حار والشمس ساطعة في السماء ...لم نتحمل الزحام وانتظار الدخول إلى عرفات قررت وزوجي الدخول سيراً على الأقدام للوصول إلى المخيم ...
على مرمى البصر الجبل كساه اللون الأبيض.. الكل يتوحد.. وتعلو الأصوات...لبيك اللهم لبيك ...ترى هل لبينا النداء حقيقة ..أم أن ألسنتنا تردد دون قلوبنا ..لبيك لا شريك لك لبيك ..ترى هل أشركنا أحدا في محبة الله أم أن حب الدنيا طغى علينا وأنسانا حب خالقنا ...
هكذا كنت أحدث نفسي طوال الطريق ...
الجو حار اليوم ..والعرق يزداد ..ترى كيف سيكون المشهد يوم القيامة ...والشمس فوقنا بأشبار ..سرت في جسدي قشعريرة لمجرد تصور المشهد
آه متى نصل المخيم ...جف حلقي ..وتهاوت ساقاي
أخيرا وصلنا ..أخيرا سأنفرد بنفسي في رحاب الحبيب ..
في المخيم الأنظار شاخصة إلى السماء والقلوب معلقة تنتظر الغفران ..
آه رأسي تدور وحرارتي ترتفع ..لعلها ضربة شمس ...
قربت الشمس على المغيب ..وحانت لحظات الرجوع كما ولدتنا أمهاتنا ..ترى هل رجعنا كذلك أم أن ذنوبنا لا زالت عالقة في القلوب تأبى أن تغادرها ..
من عرفات إلى مزدلفة ومنها إلى منى ..ثم رمي الجمرات ..والطواف ...مبروك غفرت ذنوبنا ...أو لعلها هكذا ..اليوم نبدأ صفحة بيضاء ..لا ذنب ولا إثم ..
مازلت أعاني من ارتفاع حرارتي ..
في الخيمة كنَّ يتناقشن في أمور الدنيا الفانية شكوى من الزوج أو سب في جارة ...أو ...أو ...آه لازلت أهذي
إلتحفت عباءتي السوداء هاربة إلى الفضاء ..خائفة أن تُكتب صحيفة ذنوب جديدة ...
في طريقي رأيته يدخن الشيشة ..وآخرون يلعبون الورق ..آه نسيت لقد انتهى الحج وجاء وقت التسلية ..لا لا ...قد يكون هذا هذيان المرض..
رجعنا والحمد لله ...ولسان حالي يقول:
إكتحلت عيناي برؤية الكعبة ..خلف المقام صليت ..والحجر الأسود قبلت..ومن ماء زمزم شربت ...وعلى جبل عرفات دعوت .....وفي الروضة الشريفة سجدت ..
رجع كل من كان معنا لحياتهم ..آه أحدهم رجع ليعيش مع صديقته ...وآخر رجع إلى عمله ليتقاضى رشوة من عملائه ..وهذه رجعت لترتدي ما كانت ترتديه من قبل ...ملابس ضيقة وطرحة صغيرة يأبى شعرها إلا أن يطل منها ...لعلني لازلت أهذي
ولكن هذه أعرفها جيدا كانت تؤذي جاراتها ..لازالت على حالها ..كم أكره تفاخرها بأنها حجَّت ..وأنها تعتمر كل عام ..
أتساءل هل كنا نطوف بالكعبة ونتوسل إلى الله حقا أم أننا كنا ندور في فلك أنفسنا ؟؟؟
هل كنا نبكي على جبل عرفات طلبا للمغفرة ...ثم نفرط فيها ..؟؟؟
هل كنا نحجُّ ...أم أنها تخاريف حجاج...؟؟؟؟!!!!!
كانت ضربة الشمس قوية .
" َفإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{201} أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ{202}" البقرة