الثلاثاء، 20 مايو 2008

ولسه في العمر بقيه

دخلت إيما بهو مركز الأورام بخطوات ثابته ..رابطة الجأش ...ولكن...من أين لها ذلك وكل كيانها يرجف ...ولكنها لم تشأ أن يشعرزوجها بمشاعرها ..تركها الزوج ليتم إجراءات الحجز...جالت بنظرها في أرجاء المكان ..لطالما مشت في جنبات المستشفيات لتخفف الآلام وتعالج الجراح ...وتطبع على الشفاه إبتسامة شكر أو ضحكة طفل...

توجهت إلى مكان إنتظار السيدات ..تخيرت لها مكانا بجانب إمرأة مُشسنه ..لعلها تحاول أن تشعر بوجود أمها التي تفتقدها..

أخذت تتفحص الوجوه...تلك الوجوه التي كانت تراها بالأمس ...تراها بعين الطبيبة التي تتأثر بموت شاب أو فتاة في ريعان شبابهم ...تتأثر لمرض يؤثر على عائل أُسره...وتبكي لموت طفل صغير...

ولكنها اليوم تراها بعين من قد تكون منهم ..وتجلس في يوم لإنتظار جلسة علاج كيميائي...

ياااااااالله....ياااااااارحمن...عفوك ورضاك.

عاد الزوج ...كم من الوقت مر ....لا تعرف ولكنها أحست أنه الدهر كله...إصطحبها لمكان عمل الأشعه..تشابكت أيديهما كما تشابكت عند أول لقاء بينهما ...جال بخاطر إيما كل تلك المشاعر الجميله التي أحست بها ...تلمست تلك المشاعر من زوجها ..ولكنها هذه المره مشاعر خوف وجزع من مستقبل مجهول...لا يعرفه سوى الله...
إضجعت على سرير الفحص ...نظرت إلى السماء ...تعلق قلبها بخالقها ...دعت أن يرزقها ما فيه خيرها....
كلما أصدر الجهاز صوتاً نظرت إلى زوجها تستمد منه قوتها...تستعيد معه ما مر بهم من احداث ...من أحلام تحقق بعضها ...والآخرى ما زالت أحلام مؤجله...
إنتهى الفحص..وتوجهت مع زوجها إلى غرفة الطبيب المسؤول الذي أخبرهم أنه يمكنهم الإنتظار لمعرفة النتيجه ...ولكن بسرعة البرق أشار له الزوج ليغير كلامه ...
آه..بس في حاله تانيه دلوقت والنتائج ممكن تتأخر ..الأفضل تاخدوها الساعه سابعه مساءاً..
كان زوج إيما رفيقاً بها ..لم يشأ أن تُصدم إن كانت النتيجه بالإيجاب.. ولكنه لم يعرف أنه زاد من قلقها وتوترها..
إحتسبت أمرها إلى خالقها ورجعت إلى بيتها ...وأخذت تضم أبناءها..لتشعر معهم بالأمان...


مرت ساعات المساء ثقيلة ..ليس لها آخر ...وإيما تروح وتغدو أمام الهاتف لعله يأتيها بخبر يطمئنها ..
وأخيراً رنَ الهاتف وتوقف قلبها للحظات..رفعت السماعه..
أيوه يا حبيبي إيه الأخبار ..؟!!
ألف مبروك يا حبيبتي الأشعه زي الفل..
بتتكلم بجد ولا بتطمني بس...
والله بتكلم بجد..وأنا مع الدكتور والأشعه سليمه ..ألف مبروك
ألو ...ألو...إنت روحتي فين يا حبيبتي...
طيب والآلام إللي بحس بيها باستمرار..وتآكل الفقرات ده كله من إيه ..
مش مهم أكيد هتكون حاجه بسيطه..
ألو ...إنت روحتي فين تاني..
أيوه معاك بس بحمد ربنا على نعمه علينا..
سلام دلوقت أشوفك لما أرجع ..
مع السلامه

الحمد لله ..لسه في العمر بقيه ..مكتوب لي أربي أولادي ..أحمدك يا الله..
صلت إيما ركعات شكرا لله..وضمت أولادها إليها..

أضحت إيما بعد ذلك متعايشة مع آلامها بصدر رحب ..تحمد الله على نعمة وجودها مع زوجها وأبنائها وبدون أن تسبب ألم لأي منهم..فما أصعب أن ترى من تحب متألماً بسببك..

تلك هي قصة إيما ...قصتي..أردت أن أسردها عليكم..لتعيشوا معي قصة إمرأة ..كادت أن تفقد حياتها ..لأن سرطان العظام معناه الموت القريب..إمرأة تغيرت كل مفاهيمها ..وكل حساباتها...تغيرت نظرتها للحياة ...وحتى للموت..

وعايزه أقولكم إن لسه في العمر بقيه ..ولسه فيه حواديت ويوميات عايزاكم تعرفوها..
كمان بشكر كل قراء المدونه إللي كانوا بيسألوا عني وهما مش عارفين إذا كانت دي حكايتي أو دي رواية المؤلفه..لأن سؤالهم ده أثر فيَه جداً...وحسسني إن ليه أهل وعيله على النت..فجزاكم الله عني كل خير..