السبت، 13 يونيو 2009

رسائل مغتربة ...بلادي التي لا أعرفها

اليوم يوم الخميس.. أجازة الأولاد.. قررت فى لحظة من غياب عقلى أن أصطحبهم إلى حديقة الحيوان.. وعندما تذكرت ما سأقاسيه من زحام المواصلات من حى القلعة إلى الجيزة ندمت أشد الندم على ذلك القرار.
ولكن لم يكن هناك بد.. لم أتعود معهم على أن أرجع فى قرارى.. أو أخلف وعدا وعدتهم إياه.. استعدوا وكلهم فرح بتلك الرحلة المنتظرة.. أما أنا فكنت استعد للزحام على محطة الأوتوبيس..
عرجنا من الحارة الضيقة التى نقطنها والتى تسع أصحابها وساكنيها منذ عشرات السنين.. حالها كحال كل الحارات الضيقة التى يمتلئ بها حى القلعة..
عرجنا إلى شارع السيوفية لنصل إلى محطة الأتوبيس فى وسط ميدان القلعة..
لحظات مرت.. لم أعرف أين أنا..
لم يكن هناك أحد على محطة الأوتوبيس.. أين ذهب الناس..
والميدان لم يكن هو نفس الميدان الذى تعودت رؤيته منذ سنين..
فالنافورة التى لم يكن بها ماء منذ طفولتى كان يتناثر منها الماء فى كل اتجاه بطريقة منتظمة.. كوردة متفتحة فى أول أيام الربيع.
الميدان كان فى غاية النظافة والأناقة والجمال.. لم أعهده هكذا من قبل..
لم أجد طابور الخبز الطويل عند ذلك الكشك الموجود عند بداية شارع سوق القلعة.. هل أعرض الناس اليوم عن أكل الخبز.. أم أنهم وجدوا له بديلا..؟؟!!!
ها قد وصل الأتوبيس.. أسرع الأولاد لركوبه.. أسرعت خلفهم لأجد الأتوبيس لا يوجد به أحد سوانا.. ما الذى حدث فى البلد.. طغت فرحة الأولاد بالأتوبيس الخالى من الزحام على استغرابى.
الشوارع اليوم مختلفة.. الزهور متفتحة والأشجار مورقة خضراء.. هل هذه بلادى التى أعرفها..
لاحت من بعيد قبة الجامعة الحزينة.. لا لم تكن حزينة اليوم.. كانت تتلألأ من على بعد.... زال عنها تراب السنين.. وحزن الأيام الذى جعلها تبدو كعجوز مسكين تنتظر حكم الأيام.
أين أنا.. هل هذه بلادى.. إنها بلادى التى لا أعرفها.
أتانى صوت إبنى.. ماما ماما.. لكزنى ليوقظنى من غفوتى...أين أنا..؟؟؟
إنت هنا يا ماما..
أفقت وجدت نفسى لازلت هنا فى غربتى..فتحت التلفزيون لأعرف أخبار بلادى.. جاءنى صوت المذيع يعلن أن اليوم هو الجمعة وقد رجع كل شئ فى شوارع القاهرة لطبيعته بعد انتهاء زيارة أوباما..رجع الزحام على محطة الأوتوبيس.. وسكتت مياه نافورة ميدان القلعة إلى الأبد.. ورجعت الشوارع تعج بالزحام وعادم السيارات... وطابور الخبز الذى لا ينتهى.. رجعت قبة الجامعة لحزنها..
رأيت بلادى التى أعرفها.
المقال بجريدة اليوم السابع من هنا

الثلاثاء، 9 يونيو 2009

حب فوق السبعين


لا أعرف ما الذي دفعني للشغف بتلك المرأة المسنَّة ذات البشرة البيضاء التي تلاشى جمالها بفعل الزمن و التجاعيد الزاحفة إلى تلك البشرة الجميلة.. وبفعل تلك البقع البنية التي أبت إلا أن تنتشر على البشرة الناصعة البياض ...
أهو وجهها الصبوح ..أم تلك الروح الصبيَّة التي تتمتع بها بالرغم من تجاوزها عامها السبعين ..أم أنه حب الحياة الذي يكمن بداخلها ...حب للتمتع بكل جماليات الحياة ...أم لتلك الطبيعة المتدينة التي تصبغها ..وتزيد وجهها إشراقا ...
لا أعرف على وجه التحديد ما الذي يشدني إليها ...لعلها تلك الأسباب مجتمعة .

كم أكره كوني طبيبة

إنها جارة والدتي الحاجَّة خيريَّة ..أراها كلما أكون في زيارة لوالدتي ...وعندما نذهب للصلاة في المسجد ..أجدها تدخل متكأة على عصاها ..التي لم تمنعها من التمتع بصلاة الجماعة في المسجد والإستماع إلى الدرس بعد الصلاة ..
كانت بصحبتها اليوم حفيدتها سارة ..المتزوجة حديثا ..لقد ربَّتها جدتها الحاجَّة خيريَّة بعد أن توفيت إبنتها والدة سارة وزوجها في حادث تألم له أهل الحي كلهم وقتها ...تاركين سارة إبنة العشر سنوات في رعاية جدتها ..وها قد تزوجت سارة ..وأصبحت الحاجَّة خيريَّة وحيدة من جديد فلقد توفي زوجها أيضا منذ زمن بعيد ..
اليوم لم تكن على طبيعتها المشرقة التي عرفتها بها ..كانت مهمومة ..أخذتني إلى أحد الأركان في المسجد لتبث إليَّ شكواها من ألم عانت منه ليلتها وجعل النوم يجافيها ..كشفت لي عن ساقيها لأرى ما فعله المرض بهما ..ولتأخذ نصيحتي كطبيبة ..بعد كشفي عليها عرفت مبدئيا أن حالة قلبها ليست على ما يرام ..كم كرهت لحظتها كوني طبيبة ..فأنا أعلم طبيعة مرضها ..وما ستنتهي إليه ..
لحظات كثيرة أستشعر بأن الجهل أحيانا ببواطن الأمور يكون أسهل علينا ..حتى لا نعلم كم يتألم من نحب ..

حب فوق السبعين

إنه اليوم المخصص لسيدات العمارة ...ووالدتي تستعد للذهاب إليهن .
قررت أن أذهب معها بالرغم من عدم وجود أحد في مثل سني تقريبا ..ولكني أحببت حضور مجلسهن لسماع حكايا يقطر منها حكمة عمر مضى ..وذكريات زمن جميل ولَّى ولن يرجع ..
عندما دخلتُ كانت عيناي تبحث عن الحاجَّة خيريَّة لأطمئن عليها ..
لم تكن قد حضرت بعد ..إتخذتُ مكانا لي بجانب والدتي التي أخذت تعرِّف الحاضرات ممن لا يعرفونني عليَّ قائلة إبنتي الدكتورة ...
كنت أضحك في سرِّي ..والدتي تفتخر بي.. وأنا أتألم من مهنتي .
لحظات ودخلت الحاجَّة خيريَّة تتكأُ على عصاها ..أسرعَت إليها صاحبة المنزل لتجلسها على أقرب مقعد ..
كانت تتنفس بصعوبة ..وقد اكتست بشرتها البيضاء بلون أحمر تلاشى بعد قليل ...
بعد أن هدأت قليلا ذهبت إليها لأطمئن عليها ..وأعرف ما فعلت مع طبيبها الذي عرفت منها أنه غيَّر لها جرعات الدواء وأجرى لها بعض الفحوصات ..
بعد برهة حانت من إحدى الحاضرات إلتفاتة إلى الحاجَّة خيريَّة لتسألها بمكر خفيَ لم يخفى عليَّ ..عن ذلك الجار الأرمل والذي يقطن في العمارة المقابلة ,ويقيم بمفرده منذ أن توفيت زوجته وتزوج ولديه , وأصبح يشغل نفسه بالإهتمام بشؤون المسجد والأعمال الخيرية في الحي .
إلتفتُ إلى الحاجَّة خيريَّة فوجدت فتاة مراهقة إحمر وجهها خجلاً عندما ذُكر أمامها إسم من تحب , إرتبكت في باديء الأمر بطريقة أثارت ضحكات الحاضرات ..ولكنها تمالكت زمام نفسها وبدأت في حديث شيِّق عن الجار الأرمل وعن أخباره وعما فعله في المسجد من إصلاحات ..وما قام به من مجهودات لنظافة الشارع ..
كانت تتحدث بطلاقة وبدون انقطاع مما جعل النساء يضحين بأحاديثهنَّ الجانبية ويستمعن لها في إنصات ..وكانت هي مستمتعة بالحديث حتى لا ينقطع لسانها عن ذكر اسمه .
ولكن إحدى الحاضرات وتدعى الحاجَّة سناء ..سألتها..والمكر في عينيها الصغيرتين.. عن سبب تواجده الدائم في شرفته في نفس الوقت الذى تتواجد هي في شرفتها في وقت الغروب لشرب الشاي ..تضاحكت الحاضرات ..وإحمر وجهها خجلا ..وقررت الرحيل هربا ً من دائرة خجلها ..أسرعت خلفها ..وأخبرتها أني سأوصلها لشقتها ..ولكني كنت في حقيقة الأمر أريد سماع المزيد ..أريد أن أعرف مشاعر إمرأة تحب وهي فوق السبعين ..أخذت تحكي وتحكي وأنا أستمع ..