غير لائق ..كلمات قليله ...ولكنها قد تغير مجرى حياة إنسان ...قد تهوي به من قمة الأمل إلى هاوية الإحباط واليأس ..
هذا ما كان يفكر فيه عندما اخترقت تلك الكلمات عينيه وزلزلت كل كيانه وهو يقف أمام لوحة النتائج ..
نتائج القبول في إمتحانات السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية .
وقف مذهولاً للحظات ..لم يعرف هل كانت لحظات ..أم ساعات ..أم كانت كل عمره شعر بان الأرض تدور به تائهة في دوامة في ذلك الكون الرحيب ..
أفاق على صوت زميل له يسأله هل نجح مثله أم لا ...؟؟
إلتفت إليه ..كان زميله أقل منه في التقدير وفي الكفاءة ..ولكنه يمتلك ما لا يملكه هو ...كان إبناً لأستاذ كبير في الإقتصاد .
نظر إليه نظرة خالية من أي معنى ..وتركه وانصرف ..خرج خارج المبنى ..لم يعرف اين يذهب ..شعر أن الكون كله قد انكمش ولم يعد به مكان ليذهب إليه ..
لقد نشأ في أسرة فقيرة ..كان والده بواباً لإحدى العمائر في أحد الأحياء التي يقطنها الأثرياء ..وأصحاب السلطة ..كان يراهم ..ويتعامل معهم ..ولكنهم كانوا أسياداً وهو خادمهم ..حلم أن يكون مثلهم في يوم من الأيام ..إجتهد ..واصل تعليمه بالرغم من كل الظروف حتى يصل إلى مبتغاه ..
كان شريط حياته البائسة يمر أمامه وكأنه يشاهد فيلماً سنيمائياً ..
صورته وهو يغسل سيارات ساكني العمارة ..
ولياليه الطويلة التي بكى فيها لأن ملابسه كل عيد لم تكن جديدة كباقي الأولاد ..ولكنها كانت مم يجود به عليه ساكني العمارة ..
كان صغيراً على أن يستوعب أن البشر مختلفون في كل شيء حتى في أرزاقهم ..
تنبه على صوت سيارة عالي ..يحذره سائقها وهو يعبر الشارع دون أن يراها ..تراجع للخلف ..وقف مذهولاً ..إلى أين ..لا يعرف ..ولكنه سار في طريقه ..
تداعت أفكاره إليه مرة أخرى ..
صورته وهو يستذكر دروسه في إحدى الحدائق ..تحت ضوء المصابيح ..لأنه لا يجد مكاناً في الغرفة التي يسكن فيها مع والديه وإخوته الذين يتزايد عددهم عاماً بعد عام حتى ضاقت عليهم الغرفة ..
صورته وهو يذهب كل يوم إلى كليته وهو يرتدي نفس القميص والبنطلون وكأنه الزي الرسمي للجامعة ..
عندما كبر واستطاع إستيعاب ما قدره الله له ..قرر أن يغير حاله ..واختار كلية توصله إلى مبتغاه ..أن يكون يوماً من تلك الطبقة التي حلم أن يكون منها ..أن تعامله تلك الطبقة باحترام.
وجد نفسه دون أن يدري على شاطيء النيل أعلى الكوبري الذي كان يمر به يومياً في طريقه إلى الجامعة ..كان يحلم عليه أحلاماً كثيرة ...لا يعرف لها عدداًلقد عرف أنه غير لائق لأن والده بواب العمارة وليس السيد الذي يقطن العمارة .
ماذا سيفعل إذاً ...هل يغير والده ...أم أنه اختار الطريق الخطأ من البداية ...إختار أن يعلو بنفسه في مجتمع لا يعلو فيه إلا من هم فوق الرؤوس ...
توقف قليلاً ...نظر إلى مياه النيل ...وجدها تعزيه في احلامه ..
وفي لحظة كان يقذف بنفسه في أحضانها..
اللوحة للفنان الإيراني مرتضى كاتوزيان